أخرجت ضريبة ال 6 دولار، على خدمة "الواتساب"، الشعب اللبناني من ثباته الطويل، فكان حراك 17 تشرين، الذي لم نصل الى خواتيمه او نتائجه الكاملة حتى اليوم،
فبعيدا عن الافكار المسخّفة لانطلاقة الحراك،التي اعتبرت ان بعض السنتات حرّكت الشعب نظرا لتعلقة المفرط "بالواتساب" ومن خلفة، بتناقل "النكات" وكل ما يمكن ان يشكل مساحة ابتسامة، ضحكة او فرح،
وبعيدا ايضا عن الابعاد السياسية وغير السياسية للحراك، كما عن تأييد الحراك او الاعتراض عليه، لا بد من التوقف، عند شكل الانطلاقة وسببها الظاهر، ففي الشكل،شكلت الخدمات المرتبطة بشبكة الانترنت الشرارة،التي اشعلت الغضب النائم في نفوس اللبنانيين، لا بل تعتبر، اداة فاعلة، استطاع المنتفضون من خلالها التعبير عن مختلف افكارهم وتطلعاتهم.
وفي المقلب الاخر،لا يمكن غض النظر، عن استخدام احزاب السلطة، لمختلف ادوات الاتصال الحديث، بهدف الاقناع، الترويج، او التهدئة، ناهيك طبعا، عن الجيوش الالكترونية، الجاهزة دائما مع "هاشتاغاتها" واقلامها.
وما بين الحراك والسلطة، جائحة عالمية، دفعت الشركات والمؤسسات الى توديع موظفيها، الذين تحوّلت بيوتهم الى امكنة عمل عبر عدة بسيطة، كما حوّلت غرف نوم الاطفال الى مقاعد دراسية، لا ندري الى اين ستقود الاجيال المقبلة، بالاضافة طبعا، الى تعليبها اللقاءات العائلية في علب افتراضية، تقودها بعض تطبيقات الصوت والصورة.
اذا، ما بين التجاذب السياسي، ومفاعيل الجائحة، يبدو قطاع الاتصالات، باب فرج وحيد للحياة بكل ابعادها،فماذا عن هذا القطاع في لبنان، وماذا عن امكانية صموده واستمراره، كما تطوره في ظل الازمات المتتالية والمستمرة؟
أرقام وزارة المالية منفصلة عن الواقع
حول هذه الاشكالية، وتفاصيل أخرى، يلتقي "لبنان 24"، مدير هيئة اوجيرو، عماد كريدية، الذي ومن مكتبه في بئر حسن، يؤكد "انه وعلى الرغم من ازمات البلد الكثيرة والمتعددة، لا تزال هيئة اوجيرو، تقوم بمختلف واجباتها بصورة يومية وبطريقة حديثة،
فالعمل الميداني قائم، كذلك العمل المكتبي، كما كل قطاعات الانتاج ضمن الهيئة، اذ اننا نعمل بجدية مطلقة،انطلاقا من درايتنا التامة باهمية القطاع الذي ندير، والذي يشكل في هذه الايام عصبا اساسيا لاستمرار دورة الحياة.
وهنا، لابد للحكومة المقبلة على اعداد واقرار موازنة 2021، ان تعي كيف تحدد ميزانية كل قطاع وفقا لاحتياجاته ومتطلباته،
فصحيح ان الواقع الحالي، يدفع الى خفض ميزانية الوزارات ومعها الهيئات، لكن لا بد من التنبه والبدء بالتفكير وفقا لقاعدة "ما هو ضروري ومهم"، فقطاعنا، يحتاج لصيانة مستمرة، واستثمرار دوري، لمواكبة مختلف التقنيات الحديثة، وتمكين الافراد والمؤسسات من الاستمرار في عملهم ونشاطهم"،
ويضيف كريدية، ان "ما نستغربه فعلا، هي الارقام التي طالعتنا بها وزارة المالية، وفقا لموازنة عام 2021 ، اذ انها قدمت لنا رقما تحتسبه وفقا لسعر الصرف الرسمي 1515، في حين نشهد تفلتا مخيفا في سعر صرف السوق الموازية، فميزانية الهيئة حسب الارقام التي وصلتنا تبلغ، 43 مليار ليرة للصيانة و21 مليار للاستثمار، اي ما يعادل 43 الف ليرة لبنانية في السنة لكل مشترك، وهذه الارقام، منفصلة عن الواقع وبحال تم اعتمادها ستشهد الهيئة تقصيرا واضحا في كل مجالات عملها،
لا بل ستتهاوى كما تتهاوى حجارة الدومينو، ما نحاول قوله، هو ان القطاع، يحتاج الى مواد كثيرة من البنزين والمازوت، الكابلات، قطع الغيار وغيرها، التي يتم شراؤها حسب سعر الدولار، ووفقا للارقام المقدمة لنا، لن نتمكن من السير قدما بعملنا و خدماتنا.
ويمكنني ان اجزم، انه وفقا للارقام التي قدمت لنا، سيتمكن القطاع من الاستمرار ل 6 اشهر فقط، هذا طبعا ان لم يحدث اي طارئ، وان صلينا انا وفريق عملي 12 ركعة يوميا.
وفي هذا الاطار، راسلنا وزارة الاتصالات، حيث أكد لنا الوزير طلال حواط موافقته على رأينا، كما راسلنا كل من رئاسة الحكومة، ولجنة الاتصالات النيابية، التي امست مقتنعة بضرورة العمل على زيادة ميزانيتنا"،
ويضيف كريدية، ان "الميزانية التي نطلبها، لتشغيل القطاع دون اي ترف، تبلغ 160 مليار ليرة لبنانية، اي ما يعادل 40 مليون دولار، محتسبة وفقا لسعر المنصة، ونكون بذلك حصلنا على نفس ميزانية عام 2019، مع الاخذ بعين الاعتبار فرق الدولار الحاصل،
وهنا اريد ان اكون ايجابيا، اذ اني ارى ان كل الاطراف المعنية، تدرك اهمية ما نطلبه لتشغيل القطاع، مما قد يدفع للوصول الى حل وسط، ما بين الارقام التي وصلتنا من وزارة المالية، والارقام التي طرحناها،
أسعار البقات قد ترتفع... في هذه الحال
أما عن أسعار باقات الانترنت، يؤكد كريدية ان "اسعار أوجيرو، هي الارخص في منطقة الشرق الاوسط، ومن الارخص عالميا،
وهنا، لا بد من التفكير برفع هذه الاسعار ، وفقا للمنطق الاقتصادي، حتى تتمكن الهيئة من متابعة عملها، لكن وفي نفس الوقت، نحاول مع وزارة الاتصالات، عدم الوصول الى رفع الاسعار، اخذين بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي للبنانيين.
وحتى الساعة، نقوم بشراء كميات الانترنات التي يحتاجها البلد، تحت مظلة الدعم التي تقدمها الدولة اللبنانية، فمشكلة الاسعار، قد تظهر الى العلن بحال اقدمت الحكومة على رفع الدعم عن القطاع.
وعن ارباح الهيئة يؤكد كريدية، ان "لاوجيرو، هامشا من الربح يتراوح ما بين 65 و75 %، ليشكل ارباح قطاع الاتصالات، بين 7 و 10 % من ايرادات خزينة الدولة".
اما عن ملف التوظيفات الشهير في القطاع، فيرى كريدية، انه "بالرغم من ان التوظيفات سياسية، لكنها ضرورية للقطاع، فمتوسط اعمار من هم في ملاك الهيئة هو 57 سنة، ما يضعنا امام مشكلة فعلية، اذ ان عملنا لا يتطلب علما وخبرة وحسب بل يحتاج الى القوة البدنية ايضا
لكن هذا لا ينفعي وجود بعض التوظيفات العشوائية التي لم نستطع مواجهتها، والتي لا تتخطى ال5 %".
الوزير المجذوب غير ملم باختصاص الاتصالات
وعن الواقع اللوجستي لخدمة الانترنت في ظل جائحة كورونا، يؤكد كريدية ان "الهيئة قامت بمضاعفة الكمية والسرعة لكل طلاب لبنان، ما ادى الى تدهور مدخول الهيئة وتراجعه،
فقبل بداية الجائحة، كان الاستهلاك يتمثل ب 895 "جيغا بيت" سنويا، ومع الجائحة ارتفع الاستهلاك الى 1189 "جيغا بيت"، وهذا مؤشر واضح الى ان الخدمة تصل الى كل المواطنين بشكل اكيد، كما الى كل الطلاب".
وعن الصرخة التي اطلقها وزيرالتربية، طارق المجذوب، مرارا وتكرارا،مؤكدا ان الطلاب يعانون من مشكلة الانترنت، فيقول كريدية ان "الطالب الذي يعاني من مشكلة في الانترنت، سيتصل بنا حتما وليس بوزير التربية، ومن المؤكد ان معاليه بعيد عن قطاع الاتصالات بشكل عام، ما يجعله غير ملم بتفاصيله،
ومن هذا المنطلق، نظن ان العمل يجب ان يكون وفقا لقواعد مهنية وتخصصية، تماما كما حصل في التعاطي مع اللجنة النيابية التربوية، التي قامت باعداد جداول واضحة للمدارس التي تحتاج الى خدمة "الفايبر"، فقمنا بتقديم الخدمة بصورة واضحة وصريحة".
البنى التحتية الحالية صالحة ل 20 سنة اضافية
اما عن تأثير وجود حكومة تصريف اعمال، على وتيرة عمل الهيئة، يقول كريدية "ان من يتأثر مباشرة هي وزارة الوصاية، اما الهيئة فتتأثر بطريقة غير مباشرة، فعلى سبيل المثال هناك اتفاقية مع قبرص لاستبدال "كابل" الانترنت القائم معها حاليا، "بكابل"، اسمه "اوروبا"، وهذا موضوع تقني صرف، قد لا يعرفه المواطن اللبناني، لكنه يحتاج ان الى قرار من مجلس الوزراء حتي يصبح نافذا، كما ان التعرفة الجديدة للهيئة، التي ستشكل ربحا للمواطن من حيث العروض التي تقدمها، تحتاج بدورها الى قرار من مجلس الوزراء".
وحول التشريعات التي يحتاجها القطاع، يدعو كريدية الى "وضع القانون 431 حيز التنفيذ، ما يخفف من وتيرة التضارب ما بين القطاع العام والخاص"
وفي ما يتعلق بالبنى التحتية القائمة حاليا، والتي من خلالها توزع خدمة الانترت الى المواطن اللبناني، يقول كريدية، "انها وجدت مع انشاء الهاتف الثابت اللبناني، ولم تكن اصلا خدمة الانترنت في الحسبان، لكن تمكنت اوجيرو من العمل وفقا لامدادات هذه الشبكة، محاولة تخطي مجموعة صعاب، كجغرافية توزع "السنترالات" وغيرها، وهنا لا بد من ان نؤكد للناس، ان لا مشكلة في البنى التحتية، التي يمكن ان تخدم المواطن اللبناني ل 20 سنة مقبلة، ان تمت صيانتها بالطريقة الصحيحة، ونحن جاهزون اليوم لتفعيل حوالي 140 الف خط جديد، على هذا الشبكة نفسها، المشكلة الحقيقية، هي في كيفية تعاطي اللبناني مع الانترنت، اذ ان 85% من مشتركي اوجيرو، يذهبون الى خدمة ال 2 "جيغا بيت"، نظرا لتكلفتها المتدنية (24 الف ليرة)، وهنا لا بد ان يدرك الجميع ان السرعة والكمية مرتبطة مباشرة بالاسعار، فلا يمكن ان نحوّل اشغالنا من المكاتب الى البيوت ونحن ثابتون على الباقة عينها".